المركزية العظيمة لسورة الفاتحة
29 يوليو، 2021
614
تمثل الفاتحة بوابة الانطلاق لفهم الخطة المعرفية القرآنية التفصيلية في بناء الحياة؛ فقد حوت الخلاصة الأولية للكلمات الإلهية، فضمت أهم المحكماتِ القرآنيةَ، والمقاصدَ الكليةَ القطعيةَ الإسلامية، والقواعدَ الدستوريةَ الجامعةَ، فلو قلنا للمعاني المبثوثة في معظم الكلمات القرآنية اذهبي إلى حيث شئت لرجعت إلى (الفاتحة) المباركة، فبها تنطلق الأمة لتتبوأ مكان القيادة والريادة الخيِّرة العالمية {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:110]، فهي المنارة التي تحتاج المحافل الدولية إلى الاسترشاد بنورها، وتَعَلُّمِ معانيها، وهي مقدمة الميثاق الأممي الصادق الذي تفتقر المؤسسات العالمية إلى استلهام مقاصدِه ومراميه.
إن الخطة الحيوية التي ترسمها الفاتحة ستدهشك، وتأخذ بأنفاسك إعجابًا عندما تتعمق في تدبر تفاصيلها وتتأمل في مقاصدها، وتذكَّر أن ذلك لا يتأتى إلا بتدبر الأذن الواعية الملقية للسمع مع شهادة القلوب الحاضرة، وخذ أنموذجًا لهذا الإدهاش في البصائر الإستراتيجية التي توفرها آيتا (الصراط).. سترى أنها تضع لنا -في تركيزٍ مذهلٍ- حلولًا للوقائع التي جعلت مراكز صنع القرار في الدول الإسلامية حائرةً في كيفية التعامل مع الواقع المتشابك المليء بالفتن السياسية والاجتماعية المتلاطمة الأمواج.. عندها سترى حقًا المجد الذي تبنيه المفاهيم الحضارية القرآنية في بناء حياة المسلمين {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:10].
ومن خلال التدبر المشرق (للفاتحة) المباركة نجد أنها ترسل لمحةً مضيئة، وتبرق سراجًا لامعًا للعالَـم يدله على حقيقة الإسلام وأهدافه، وهي المقاصد التي تحتاج البشرية إلى معرفتها لإدراك سر الحياة، فإذا أراد إنسانٌ معرفةَ حقيقةِ الحياةِ، وفلسفةِ الوجود، فسيجدها بسهولة عندما يدرك الأهدافَ العليا للإسلام، وسيراها بكل وضوحٍ عندما يتعرف إلى المقاصد الكلية التي تدور حولها المعارف القرآنية، وأيسر طريقٍ إلى ذلك أن يتأمل (الفاتحة) ويتدبرها، لماذا؟
لأنها (القرآن العظيم)، وهذا اللقب الفخم نجده في القرآن الكريم؛ فقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} [الحجر:87]، ونجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقبها به، حيث فسَّر ذلك بما يشبه النص في قوله: «أُمُّ الْقُرْآنِ هِيَ: السَّبْعُ الْمَثَانِي، وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ».. فقل لي -أعزك الله- ماذا يعني أن تكون الفاتحة هي (القرآن العظيمَ)؟ إن ذلك يعني بسهولة أنها خلاصةُ القرآن المجيد وسِرُّه، وأنها استوعبت المقاصد الكلية للتنزيل القرآني.