من حقوق المرأة في سورة النساء
25 ديسمبر، 2021
2086
كرم الله المرأة وأعلى شأنها وصان حقوقها، وسمى سورة باسمها وجعل لتلك السورة موضوعا عظيما هو بث الحياة لأن النساء مصدرها، وقد ذكرت السورة بعض الحقوق التي تتعلق بالمرأة عامة قبل أن تكون زوجة وخصت الزوجات بحقوق أخرى، ومن تلك الحقوق التي تبين سبق القرآن للمنظومات العالمية المعاصرة ما يأتي:
الحق الأول: حق التكريم الإنساني العام للمرأة، وبصرنا الله به في قوله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا} [النساء: 1] فهي مخلوقة من النفس التي جعلها الله مصدر النسل البشري، ثم جعل الـمرأة مع الرجل الـمصدر الوحيد للتكاثر الإنساني، فهي ليست مخلوقا يستنكف منه، بل هي أصل للبشرية ولها الدور العظيم في إعمار الحياة البشرية.
الحق الثاني: حق الزواج ولو ضمن إطار التعدد لتنال البشرية حقها في الانتشار والاستقرار، وليتحقق للمرأة وجود الزوج الشريك صاحب المسؤولية الكاملة، ويبصرنا به هذا الاقتران العجيب بين الشرط وجزائه في قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] أي إن تحرجتم في أن تأكلوا أموال اليتامى فأنتم ممدوحون على ذلك، فكذلك فتحرجوا من الزنا وانكحوا النساء نكاحا طيبا مثنى وثلاث ورباع.
الحق الثالث: حق المجتمع النسوي في إشاعة التعدد، فهو شريعة السعادة الاجتماعية عندما يتم الالتزام فيه بالشرع، فيشيع التراحم والتكامل الاجتماعي، وتعدد الزوجات هو الحل الـمثالي الأول للواقع البشري الاجتماعي، ومعالجة الأنانية في النفوس البشرية، ويحقق للنساء تطلعهن في إيجاد البديل عن العبث بهن ضمن تجارة البغاء والعلاقات المؤقتة.
التعدد شريعة كتابية قديمة يضمن السعادة الاجتماعية، فتجد المرأة الشريك الصادق من الرجال، ويحفظ ذلك المجتمع من حالات التحرش الجنسي بالنساء والأطفال مما شاع في المجتمعات التي تتعسف في إشاعة الزواج وتصر على تعدد الخليلات أو تجارة الرق الأبيض الذي ينتهك أبسط حقوق النساء، فلماذا يصر البعض على تدمير حقوق المرأة الواجبة على الرجل بمبدأ الخليلات (والجيرل فرند) الذي لا يعني إلا العبث بكرامة المرأة، وعدم تحمل مسؤولية الزواج، والقيام على الأسرة، والتعدد شريعة موسى عليه السلام، ا تتعلق بالتعدد، وذكر ليعقوب عليه ً «إذا كان لرجل امرأتان احداهما محبوبة والأخرى مكروهة..» فذكر أحكام15 :21ففي سفر التثنية السلام في الكتاب المقدس أربع زوجات، ولإبراهيم عليه السلام ثلاث زوجات، وأما داود عليه السلام فمائة زوجة!!
الحق الرابع: حق المرأة في أن تطيب نفس الرجل بها وتطيب نفسها به، ويبصرنا بذلك قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] إذ تدل على ضرورة البحث عما طاب من النساء ليتم تأسيس الحياة الزوجية الـمستقرة، ولا تطيب الـمرأة للرجل إلا أن تكون راغبة به، لا مكرهة عليه، فكما تدل الآية على بحث الرجل عن الطيب من النساء كذلك تدل على حق المرأة في الطيب من الرجال، وكلمة طاب تعني لذ وزكا فالطيب فهو المستلذ الزكي الشهي ظاهرا وباطنا، نفسا وجسدا، فيدخل فيه الطيب الشرعي والطيب الطبعي.
الحق الخامس: حق المرأة في الاستمتاع الجسدي والنفسي العادل، ويبصرنا بذلك قوله {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [النساء: 3] والمقصود العدل في الظاهر لا في القلب؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول: ((اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك)) «أبو داود».
الحق السادس: حق المرأة والأسرة في الحرص على وجود الاستقرار المعيشي، ويبصرنا بهذا الحق هذا المادة المقاصدية الحاكمة المعظمة التي يقول الله فيها: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3] أي: أقرب ألا تعولوا، ولها معنيان.
المعنى الأول
العول هو الميل إلى الظلم زيادة أو نقصا أي ذلك أقرب ألا تجروا فلا تميلوا للتعدد أو التوحيد بل لما يحقق مقاصد الحياة الزوجية من الاستقرار والاستمتاع والعدل والنمو الإنساني، والإشارة في كلمة ذلك تعود إلى مجمل الأحكام في الآية.
المعنى الثاني
يعول أي يفتقر، يقال رجل عائل أي فقير ومنه قوله تعالى {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] فالاكتفاء بزوجة واحدة قد يكون أقرب إلى ألا تعولوا بمعنى تفتقروا أو تظلموا وكذلك التزامكم بنظام التعدد قد يكون أقرب إلى ألا تعولوا أي تفتقروا أو تجوروا حسب الأحوال المختلفة، واسم الإشارة يعود إلى مجمل الأحكام أيضا.
المعنى الثالث
وذلك أدنى ألا تقوموا بنفقة العيال وحدكم فتثقلكم، وهذا يوافق حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((وابدأ بمن تعول)) «البخاري» أي ذلك الزواج من واحدة، أو ذلك الزواج في ظل التعدد أدنى ألا تحتاجوا للقيام بنفقة العيال لأن كثرة النساء سيساعدكم على هذه النفقات أو التربية، أو لأن الاكتفاء بواحدة يساعد على ذلك، فاسم الإشارة صالح لأن يعود للاثنتين حسب كل إنسان.
الحق السابع: يجب تقديم الصدقات وهي الـمهور للنساء مقابل الزواج على أن يكون الـمهر عطية خالصة ويبصرنا بذلك قوله {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] والصداق المهر، وسمى بذلك لأنه يظهر صدق الزوج في تأسيس أسرة، وقيامه على حقوق الزوجة ورعايته لها والخطاب للأولياء والأزواج معا ليقدم الأولياء المهر ثم لا يأخذ الأزواج أو الأولياء منه شيئا، والنحلة الفريضة الدينية، والعطية الخالصة، والمعنيان يدلان على حرمة أن تلجئوهن إلى أخذه بالمخاصمة والمطالبة؛ إذ هو حٌّق لهن وفريضة عليكم، وذلك يدل على التكريم الإنساني، والمحافظة على الكرامة البشرية، وزيادة التكريم للمرأة.
الحق الثامن: حق المرأة في كمال الأهلية الـمالية لها لتتصرف في ممتلكاتها دون وصاية، ويبصرنا بذلك قوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فيحرم أخذ شيء من مالها قهرا أو بسيف الحياء والخطاب لكل من يحاول أن يأخذ من مال المرأة زوجا أو قريبا إلا بثلاثة قيود:
القيد الأول
طيبة النفس، فإن طبن وطاب اتصف بالملاءمة للنفس مع زيادة تنوف على مجرد الرضا، وكلمة نفسا تدل على ضرورة أن تتيقن أن رضاها ليس رضا ظاهريا بل نبع من أعماقهن.
القيد الثاني
الإذن بالتصرف بشيء من أموالها يتعلق بأن يكون لكم لا لغيركم ويبصرنا بذلك قوله تعالى فإن طبن لكم
القيد الثالث
ألا تستغرق هذه العطية المال كله سواء كانت عطية قرض أم استثمار أم عطية هبة؛ لأنه قال: عن شيء منه ففهم بعض المفسرين منه التبعيض..
فإن توفرت القيود الثلاثة {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4] فالهنيء ما يستلذه الآكل والمريء ما يستساغ هضمه ونزوله في مجراه وإنما ذكر مريئا بعد هنيئا لأن المرء قد يشعر بلذة المطعوم، ثم لا يستطيع أن يسيغه، وكذلك يجد الإنسان في المال المعطى راحته مما يؤلمه وعبر بالأكل عن حلية التصرفات ليكون الانتفاع بالمعطى تاما كاملا لا رجوع فيه لصاحب الشيء المنتفع به كالأكل الذي لا ينتفع به إلا آكله.
إن دستور الحقوق الأول يمثل العدل والإنصاف لا التعدي والإسفاف.