رب ابن لي عندكَ بيتا في الجنة | مشروعك الأخروي
17 أغسطس، 2021
938
عامر الخميسي
امرأةٌ ضعيفةٌ تتحدّى أعظمَ طاغيةٍ من طغاة البشر، إن الإيمان إذا استقرّ في القلبِ لا يُمكن أبدا أن يَتزعزعَ أمامَ أعتى الأعاصير..
حين تَعِبت امرأةُ فرعون من مشاقّ الدّنيا وكبد الحياة وآلامها، أيقَنت أنّه لا راحة تامّة، ولا سَعادة مُستمرّة ولا حياةَ خالدة إلا في الجنّة دَعَت الله بِبَيتٍ عنده في الجنّة..
ولأنّ اللهَ أكرَم الكرماءِ فقد استجابَ دعاءَها وأعطاها مطلوبَها ولذا رأى النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيتها في الجنّة فإذا طلبتَ مولاكَ فليكُن طلبُكَ كبيرا..
قال تعالى:{ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}.
لقد كانت في قَصرٍ لكن لمّا آمنت بالله وأبصرَ قلبُها قُصورَ الجنّة أنِفَت من كلِّ قصور الدنيا ورأتها خَرابا ومصيرها إلى الخَراب ..
ولسُموُّ الدعاءِ وجمالهِ وأهميتهِ فقد ذكرَ الله امرأةَ فرعون بهِ ومدَحها بِه، ولأنّها عظّمتِ اللهَ بقلبها فقد عَظُم مَطلوبها ولا مطلوبَ أعظم من جوارِ اللهَ ..
تأمّلها وهي تردّد {ونجّنِي من فِرعونَ وعَمَلهِ} ما اكتفَت بِطَلب النّجاة من فرعون بل تبرّأت من عملهِ، وعملُه الظّلمُ والكفرُ والشَّرُ والقتلُ والزّيغ عن الشّرع وتكذيب الرسّل وهكذا قلبُ المؤمنِ يكرهُ الظّلمَ والفُسوقَ والفسادَ ويخشى حملَ التّبعات والأثقال، ثمّ إنها ضربَت أروعَ الأمثلة في الولاءِ والبَراءِ وذلك عندَما تعلّقَت باللهِ ورَفَضت فرعون..
تَوافرَ لآسية من أسبابِ الحُظوظ الدّنيوية ما لم يَتوافر لامرأة: فمن حيث السُّكنى فقد كانت في قصرِ فرعون حيث الأُبّهة والجمال والفخامة وتحت أمرها أمهر البنائين والصُّناع، ومن حيثُ الجاه فقد كانت سيّدةُ مصر الأولى، وفي خِدمتها الجواري والعبيد، ولا يُرَدُّ لها أمر ولا يُرفض لها طلبٌ وكلّ أهل البلاط يسعون في خدمتها فهي صاحبةُ المقامِ الكريم..
ومن حيثُ المال فقد كانتِ الجواهر والزينة وكنوز الأرض وذهبها ومتَعها في حوزتها فما تحلم به امرأة وتتمنّاه في الدنيا ويصل إليه خيالها كان تحتَ يدها ومع ذلكَ رفَضَت كلّ ألوان النّعيم وتمرّدَت على فرعون وطغيانه وأسلمَت للهِ ربّ العالمين تاركةً وراءها كلّ الدنيا..
مَارسَ معها فرعونُ كلَّ صنوفِ الابتزاز وكلَّ أساليبِ الضّغط لكنّهُ لم يُفلح أمامَ عزمِها وتصميمها وقوة إيمانِها ولأنّها امرأته فقد قامَت بإلغاءِ العَقدِ من طرَفها وترفّعت عن الدنيا وشهواتها وملذّاتها وقصورها وزينتها وآثَرت اللهَ على كلّ ما سواه، وأحبّت الباقية، وقد آثَرت جوارَ ربها على جوارِ زوجها، والآخرةَ على الدنيا، والباقيةَ على الفانيةِ، وبيوتَ الجنة على قصورِ الدنيا، واسترخَصَت نفسها من أجلِ أنسها بِربّها ولمّا سألتِ الله بناءَ بيتٍ طلبَت فيه وصفين: أن يكونَ هذا البيت في الجنّة، وعندَ الله أي بِجِواره، ولأنّها صادقة وقوّية الإيمانِ بربّها أعطاها مرادها وصارَت مَثلا وقُدوة للعالمينَ وخلّدَ اللهُ ذكرها إلى قيامِ السّاعة..
في مشهدِ العذاب وهي تواجهُ فرعون تتوقّف الأنفاس فهذا الطاغية فرعون أكبر طغاة التّاريخ يُشرف على تعذيبها فقد ثبت في الحديث قولُه صلى الله عليه وسلم: “إن فرعونَ أوتدَ لامرأته أربعة أوتاد، في يديها ورجليها، فكان إذا تفرقوا عنها؛ ظللتها الملائكة، فقالت:{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فكُشف لها عن بيتها في الجنة”.
وله شاهد من حديث سلمان، قال: “كانت امرأة فرعون تُعذّب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة” أخرجه الطبري في تفسيره، والحاكم وإسناده صحيح…
وهي تواجه العذاب كانتِ الملائكةُ
تُؤنِسها وتظلّها فتجد لذلك أُنسا وراحةً وانبساطا ويزيدها الأمر ثباتا..
تلكَ هي رحمةُ الله بعبده المُمتحن وما ينتظرهُ من الثّواب والأجرِ والفضلِ يفوقُ الخيال، ولا يخطرُ على بال..
إن آسيا بنت مُزاحم مع أنها امرأة فرعون، ونشأت في القصور والدور، ونَمَت في الرّغد والرّفاهية والنّعيم، لكن حين تبدّت لها حقيقة التوحيد، وانغرس في قلبها جلالُ اللهِ وعظمته، لم يُثنها خوفُها من قوّة فرعون وجبروته وظلمه وغطرسته وبطشه، ولم تتراجع عن إعلانها التوحيد خوفا من التضييق الذي قد يطالها، فأعلنت أنّها موحدة، وانضمّت إلى طريق الحقّ، وسلكت بشجاعة منقطعة النظير طريقَ الإيمان، ولقد توجّهت إلى ربّها وخالقها جل في علاه، بسؤالهِ المَعونة والنّصرة والثبات للحال الذي صارت إليه، فاستجاب الله دعاءها، وضرَبها مَثَلا للعالمين..
وتساءل قوم فقالوا: صغّرت همّتها حيث طلبت بيتًا في الجنة، وكان من حقّها أن تطلب الكثير، وَرُدّ عليهم بما لخّصه القشيري بأنها قالت: ربّ ابن لي عندك، فطلبت جوار القربة، ولَبَيتٌ في الجوار (أي جوار الله تعالى) أفضل من ألف قصر في غير الجوار، ومن المعلوم أن العنديَّة هنا عندية القربة والكرامة، ولكنّه على كل حال بيتٌ له مزية على غيره، وله خصوصية، وفي معناه أنشدوا:
إنّي لأحسدَ جارَكم لِجواركم * * طوبى لمن أضحى لداركَ جارا
كيفَ أمضى عمرُ رضي الله عنه بقيّة دهره وهو يتذّكر بشارة النبي صلى الله عليه وسلم..؟؟
أزاره النومُ بعد ذلك في ساعةٍ من ليلٍ أو نهارٍ إلا غفوات ..!!
إنّ القصر في الجنة بناؤه لَبِنَةٌ من ذهبٍ، وَلَبِنَةُ من فِضَّةٍ، ومِلاطُه المِسكُ الأَذفَرُ، وحَصبَاؤُه اللُّؤلؤُ وَالياقُوتُ، وتُرَابه الزَّعفرانُ، من يَدخُلُه يَنعَمُ ولا يَبأَسُ، ويَخلُدُ وَلا يموتُ، لا تَبلَى ثِيَابُهُ، وَلا يَفنَى شبابُهُ..
ويُعطى لهُ فيهِ ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر، قصورٌ كأنها الدرّ والياقوتُ، تُنصب لهم في ساحاتِ الجنان، وعلى شواطئ الأنهار، وفي البساتين، تَدخل وتَخرج منها أزواجٌ لهم في قِمَّةَ الجمال والرّقة والحُسن..
أي جمال هذا قد زُيّنت به تلكَ القصور والدور ؟
ثم إنهم يهتدون إلى بيوتهم ومساكنهم لا يخطئون الطريق إليها، كأنهم ساكنوها منذ خلقوا، لا يستدلّوا عليها أحدا..
ففي صحيح البخارى عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدرِىِّ -رضى الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ؛ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِى الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ! لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِى الْجَنَّةِ؛ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِى الدُّنْيَا”.
من دَخَل قصرَه لا يُمكِن أن ينقطع نعيمُه، وتخيّل معي قَصراً مبنياً من الذهب الخالص فيه كلّ ما اشتهت نفسك من مطعومٍ ومشروبٍ ومركوبٍ وملبوسٍ ومشمومٍ ومسموعٍ ومنظورٍ تعيش فيه مُخلّدا أتبيعُه بِدنيا فانية!!
يعيش بعضُ ملوك الدنيا وأمرائها في قصور لو دخلتَها لانبهرتَ من حسنها وجمالها وأناقتها وعِشت عمرك كله تفكّر في رونقها وهي من إعداد البشر ، فما ظنّك بإعداد رب البشر، في جنةٍ لم يخطر نعيمها على قلب بشر؟!
ويزدادُ الجمالُ إذا عَرَفت أنّ هذه القصور تجري من تحتها الأنهار…
إنّها قصور الذهب الخالص واللؤلؤ المجوّف التي قد ضُرِبت فوق شواطئ الأنهار، وزُيّنت بكلّ ما يُدهش الأفكار، ويُحيّر الأنظار..ليحلو فيها الأنس وتطيبُ فيها الأسمار.. تحت هذه القصور، يزداد الجمال والكمال والحسن هناك حيث القطوف الدانية والظّلال والثّمار تُحيط بتلك القصور في جنّة الخلد..
إنّه يَبني لك بيتا في الجنّة إنْ قَصَدته فَبِربـِّك ماذا تريد من قصور الدنيا وزُخرفها ومتاعها إن وهبَك بيتا في الجنة؟
فكَـرّر؛ تبلُـغ..والـزَم الباب يُفتَح؛ ثمّ انظر ماذا سكَـن قلبك من الرجاء فيه، واعلم أنّ كل متيقَنٍ آت..
فيا من كَـان الألم موطنه، والتوجع منزله؛ لا تقف عن سؤالِ جوارهِ..
مُـدّ كَـفَّ الضراعة لِله فالدعاء مفتاحٌ موصلٌ لتلك الخزائن واعلم أنّه لو نشَر لك رحمته فلن يمسكها أحدٌ عنك ولو كان أعتى طغاة الأرض..
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا}!
هو من يذَلـِّل السُبُل لحوائجك ويهوِّنها، وهو من يقَـرِّب الطُـرق إليك ويطوي بُعدها، وهو من يفتح لك خَزائن الأجر؛ ويصبَّ عليك منها الفضلَ صبًّا صبًّا!
الله أعَـدّ لك قصرا في الجنّة فأخرِج كُل الدعاء الذي في ثنايا روحك،
ألفُ حاشَا أن يَـرُدّ الله أهل المَحاريب إذا ابتهلوا، وسالت دموعهم، وظهرَ خُضوعهم، وتيقّن رجوعهم..
مَـن لَهجَ بسؤالِ القربِ من الجارِ ؛ عُصـِمَ مهما كَـان البلاء، وبيـنَ دعائها والإجابةِ زمنٌ من الفضلِ والكراماتِ والنّوال وخَزائن من البَركة تُفتَحُ فَتحاً ما أدركتها الأسباب!
اركُض بقلبك إلى قصورها فمغرِزُ إبرة فيها خيرٌ من الدنيا وما فيها..
ليالِي البلاءِ مَعقُـودٌ فـي نواصيهـا إجابة الدعاء.
ليالٍ لا ضِفـاف لفتوحها..لا منتهى لكرمها، فَـيا منحة القلوب على بساطها!
تَغـدو الشاهقاتُ دُمى بجانبكَ إنْ فَتحَ اللهُ لك البابَ وقرّبك منه، وأزلفَكَ إليه..
قُـل:
يَـا ربّ ابن لي عندك بيتا فكلّ بيوت الدنيا خراب..
كلّ قصورُ الدنيا حطام..
كلها صورٌ وعندك الحقيقة، كلها أسماءٌ وعندك الأجسام، لا يَطيبُ المُستقرّ إلا عندك، ولا يحلو المقام إلا في جوارِك..ولا يطيب العيش إلا بالقربِ منكَ..
أَلحـُّوا دُعـاءً لـِتُمْطروا فضلاً، فطُوبى لعبدٍ دعا الله فنَظر الله عزَّ وجلَّ إليه نظرةَ رحمةٍ فوهبهُ عطاء لا ينفد، وقُرّةَ عين لا تنقطع..
كانتِ المسألةُ مُجرّد انتظار وقت لأنّ أنفاس السّيرِ تتسارع إلى البيتِ الذي يُعَدّ في الجنّة..
كان فرعونَ يَعُدّ العدة للإجهاز عليها ويستمتع بتعذيبها لكن كانَ وَفد الملائكة يَحفّون بها بصبحةِ الرّوح والرّيحانِ، وبيتها بجوارِ الرحمنِ يُزخرَف..
كانت آخر اللحظات في حياتها أنْ أرسل إليها فرعون، فقال: “انظروا أعظم صخرة تجدونها، فإن مَضت على قولها فألقوها عليها، وإن رَجَعَت عن قولها فهي امرأته، فلما أتوها رَفَعَت بصرها إلى السماء، فأبصرت بيتها في السماء، فمضت على قولها، وفاضت روحها إلى الله، وأُلقِيَت الصخرةُ على جسدٍ ليس فيه روح”.
كَـم من عدوٍّ جهّز لك شِراكَهُ فَوقـَاك..
كَـم من حاسدٍ حَـطَّ منك بالتنقّص؛ فرّقاك..
كم ظَمِأَ فئامٌ من البشرِ وأنتَ كلمّا اقتربتَ من حياضهِ سقاك..
فاضت روحُها قبل إلقاءِ الصّخرة عليها وكانتِ الملائكة تحفّ بها، وكانت ترى بيتها في الجنة..!
أي كرمٍ كهذا!!
أي عطاءٍ يشبهُ هذا العطاء!!
بورِكَـتْ تلكَ اللحظة التي دعَت فيها آسية فامتـدَّ عُمْـرها مَلاييـن السنين!
الدعاء مَتْـن العُمْـر..
ومَـا سـِواه حَـاشِية!
اسْقِ روحك بغيثِ الدعاء..
وقُـل:
يَـا ربّ اخترتك جارا ، فإنّ لسؤاله بصدقٍ نفحات وهباتٍ يغمرُ بها قلوب العارفين حتى يَهبـهم الدرجة فتُلمح فـي طَيِّ الألم..
والله وحدَه أعلَـم كيفَ يُزجـي النعم؛ في قالبِ الألم!
قل:
يَـا رب ابن لي عندك بيتا في الجنة
يأتيكَ الفضلُ مَعقُـودًا بنواصـي الابتهال..
وقَـد أفـَلحَ مـَن ألحَّ على طلبِ الجارِ قبل الدار..
أَسرِجِ خيلك فهذا أوانُ انطلاقك
ثمّ اعزم ألاّ تريقَ وقتك على قارعةِ التّفاهة، وتذكّر أنّ كل زمانِ الابتلاءِ بل كل عمرك فـي الجنة؛ لحظة! فيا سعادة آسية وهي تدفع مهر بيتٍ في الجنة بصبرِ لحظة..
تذكر دوما أن الرَؤوف يَمدّك بحبال العُـروج إليه..
ويُسقيك من ماءِ اليقينِ من يديه، وكلما خَطَوت أزلفك درجاتٍ إليه، فإذا صوتك انحبسَ وتجرّعتَ الغُصص فاسأله أن يطوِ عنك البُعـد فإنّ من أقبل عليه؛ أصلحَ شأنه، ومن استعانَ بهِ على التَوفيق لمراضيه هيّئه لما يُرضيه..
يأخُذ بيدك إنْ عَثرت، ويصرف عنك السوء إنْ هَممتَ، ويقويّك إن ضعفت، ويوصلك إن انقطعت..ويُرَقِّيـك إلى مُزاحمة الكُمَّل إن عرفتَ الطريق إليه..
إنْ جَـفّ نَهـرُك، ودامَ أسرُك، وأوهنَك قيدُك، وترامَت بِيدُك فقُل:
تائهٌ يا مَولاي في الفَقد..
مُوحلٌ يا نصيري في البُعـد..
رُدّ علَـيّ روحي الضائعة!
هَـاك يَـدي المرتجفة وقلبي المنكسر💔!
كيفَ أشقى وأنا أتلو كتابَك!
كيف أفتقِر في غِناك!!
كيف أضلّ في هُداك!
إنّ الابتلاء معراجُ الوصول، والمِحَن أسبابٌ لبلوغِ المأمولِ، وقد يضيقُ العبدُ ذرعا ويحزنُ لعدمِ الوصول إلى المطلوبِ ولا يَفهم ما يُصلحة..
إن المُؤمن مُمتَحنٌ بالبلاء..ومُتَـعبّد بـالدّعاء، ولئِن تَجري عليك أقداره وأنت مأجور؛ خير ٌمن أن تجري عليكَ وأنت مَـأزورٌ فابتهل إلى مولاك أن يجعلك في بَردِهِ وسلامهِ في الدنيا، وأن يَبني لك بيتا عنده في الجنّة؛ ذاكَ هو غايةُ المطلوب..
لا يغمرُ الخَواء قلبَك، ولا تَفقِد بياضَ روحك، واعلم أنّك إن تركتَ لنفسك هَـوَاهَـا؛ اشتدّت قُـوَاهَـا، لا تتباطأ فكَـم مـِن مواسمٍ ضيّعها التّسويف، وكم من نفحاتٍ فوّتها الكسل،
وتذكر كم هناك من الصالحين من يبني الآن قصرَه في الجنة، كم هناك من يبني الآنَ قصره باثنتي عشرة ركعة يُصلّيها من غير الفريضة، وهناك من يبني مسجدا لله، وهناك من يقرأ سورةَ الإخلاصِ عشر مرات، وهناك من يترك المِراءَ أو الكِذب أو يسعى في تحسينِ خُلُقه كلّ يومٍ ابتغاء ذاك البيت..
ثمّ إلى الذين أفاضُـوا الدَمعَ مِن شدّة البلاء، لا نَصَـب مع الرّجاء في المولى الكريم، وعلى الله التّكلان وَمحو الأحزان..
{إِنَّ اللَّهَ بِالنـَّاسِ لَـرَءُوفٌ رَحِيمٌ}!
ربما عِيـلَ صَبـرك مـِن سِنـِيِّ العِجـاف.. لا بأسَ سيأتيك العـام الذي فيه تُغـاث وتعصِر.
ستَنهمرُ عليك الأعطياتُ فـي الختـام..
وفي كل حَريق سيهبك منه السَـلام!
تأسّ بالأعلام، وأكثر من سؤالِ بيتٍ بجوارِ الملكِ في دارِ السّلام..