يقولون: كيف صام النبي صلى الله عليه وآله وسلم عاشوراء بعد كلام من اليهود، فهل يتابعهم؟ يقولون: كيف قال صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) فمات قبل ذلك، فهل من المعقول أنه لم يسأل اليهود إلا قبل موته؟ ويقولون: هذا تناقض في الأحاديث

يقولون: كيف تصومون عاشوراء، وفيه استشهد الحسين رضي الله عنه بدلًا من أن تحزنوا عليه؟

هذه شبهٌ متلاطمة باعثها الجهل أو الحقد، وفيها تلاعب شديد، تعالوا نبين المعالم الحقيقية ليوم عاشوراء، تعالوا إلى رسائل عاشوراء:

الرسالة الأولى: كان يوم عاشوراء يوماً يصومه أهل الجاهلية كما كانوا يطوفون حول البيت ويصنعون بعض كثيراً من أعمال الحج الباقية من ملة إبراهيم عليه السلام،

فروى البخاري عن عائشة رضي اللَّه عنها قالت: (كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية[وكان يوماً تستر فيه الكعبة]، وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [يصومه في الجاهلية]، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه).

وروى مسلم عن عبد اللَّه بن عمر رضي اللَّه عنهما قال: (إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صامه، والمسلمون قبل أن يفرض رمضان، فلما افترض، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : ((إن عاشوراء يوم من أيام الله، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه)). إذن فقد كان أهل الجاهلية في مكة يصومون عاشوراء، فهو يوافق يوم كسوة الكعبة، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم معهم.

الرسالة الثانية: بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصومه حتى إذا جاء المدينة وافق ذلك أن اليهود كانوا يصومونه فسألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن سبب صيامه عندهم.. هذا لا يعني أبدًا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يصومه.. من قال ذلك؟ 

فسؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على أنه لم يكن يصومه بل هو سؤال عن سبب فعلهم هم، لإنشاء حوار واتصال ثقافي وحضاري مع أهل الكتاب، وقد يسأل الإنسان عن الشيء يعلمه كما سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه: أي يوم هذا؟ وهو يعلم أنه يوم النحر.

ولنستمع إلى الحوار الذي دار بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم واليهود حول عاشوراء، فروى البخاري ومسلم عن عبد اللَّه بن عباس رضي اللَّه عنهما قال: ” قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، نجّى اللَّه فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى شكراً [تعظيماً له]، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه)).

فقوله: فصامه لا يعني أنه لم يكن يصومه من قبل، بل المقصود أن صيام اليهود له لم يمنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يثبت على صيامه، وبذا نجمع بين هذه الأحاديث الصحيحة. وأخرج الإمام أحمد هذا الحديث عن أبي هريرة وزاد: “وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي” وإسناده ضعيف، في إسناده عبدالصمد بن حبيب وهو ضعيف، وحبيب بن عبدالله وهو مجهول، وقال ابن كثير في تفسيره – بعد أن أورده من هذا الوجه – : “وهذا حديث غريب من هذا الوجه”.

الرسالة الثالثة: الذي كان يتخذ عاشوراء عيدًا هم يهود خيبر، فروى مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه قال: ” كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء [تعظّمه اليهود]، يتخذونه عيداً، ويلبسون نساءهم فيه حليهم وشارتهم-والشارة هي الهيئة الحسنة والجمال، أي يلبسونهم لباسهم الحسن الجميل-، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : فصوموه أنتم”.

الرسالة الرابعة: أمر بصيام عاشوراء قبل رمضان: فأخرج البخاري ومسلم عن الرُّبيع بنت معوِّذ رضي اللَّه عنها قالت: “أرسل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة : من كان أصبح صائماً فليتم صومه، ومن كان مفطراً فليتم بقية يومه، فكنّا بعد ذلك نصومه، ونصوِّمه صبياننا الصغار، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العهن، فإذا بكى أحدهم [أعطيناهم اللعبة تلهيهم، حتى يتموا صومهم]”.

الرسالة الخامسة: بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة صيام عاشوراء، فأخرج البخاري عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما وسئل عن صيام يوم عاشوراء؟ فقال: ” ما علمت أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صام يوماً يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم، ولا شهراً إلا هذا الشهر – يعني رمضان -“، وبين فضله فأخرج مسلم عن أبي قتادة رضي اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” صيام يوم عاشوراء، أحتسب على اللَّه أن يكفر السنة التي قبله”.

الرسالة السادسة: بقي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصومه إلى السنة الحادية عشرة، ولكن اليهود لما أصروا على جعل العلاقات قائمة على الغدر أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم المخالفة لهم في العبادة لئلا يظن ظان أنه لم يصم إلا لأنهم صاموا، وكان هذا القرار المتعلق بعاشوراء في آخر حياته، فروى مسلم عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع” قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم” فهذا الحديث لا يدل على أن تاريخ البدء هو تاريخ الرغبة في المخالفة.

الرسالة السابعة: يوافق صيام عاشوراء أن يكون في شهر حرام هو المحرم، وقد حث النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الإكثار من صيامه، فروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل».

الرسالة الثامنة: كيف كان يصومه: عن الحكم بن الأعرج قال: انتهيت إلى ابن عباس رضي اللَّه عنهما، وهو متوسِّد رداءه عند زمزم، فقلت له: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال: “إذا رأيت هلال المحرم فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً، قلت: هكذا كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصومه؟ قال: نعم”. أخرجه مسلم وبين ابن القيم رحمه اللَّه في “الزاد” سعة علم ابن عباس، فإنه لم يجعل عاشوراء هو اليوم التاسع، بل قال للسائل: صم اليوم التاسع، واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوم العاشر الذي يعده الناس كلهم يوم عاشوراء، وقال في “تهذيب السنن” -: ” وصدق رضي اللَّه عنه ، هكذا كان يصومه لو بقي..” .  

الرسالة التاسعة: ليس عاشوراء عيدًا بل العبادة المشروعة فيه الصيام، والصيام ليس بعيد، بدليل أن رمضان يُصام، ويأتي العيد بعده، فكيف يكذب بعض الناس ويزعم أن الصوم شماتة في سيد شباب أهل الجنة: الحسين بن علي رضي الله عنه. هذا كذب، ولكن المسلمين لا يخالفون أمر جد الحسين خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلأنه كان يصوم عاشوراء نصومه، ولا نضرب الخدود حتى على موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف على استشهاد الحسين، فقد نهانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الفعلة المنكرة فقال: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ)).

الحسين كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: حسين منى وأنا من حسين أحب الله من أحب حسينا الحسين سبط من الأسباط قال الشيخ الألباني : حسن، يا من تصنعون الأفعال الوثنية في عاشوراء: كان الحسين يوم عاشوراء صائمًا، ولم يفعل أحد من أهل بيته الزور الذي تفعلونه، فكيف تزعمون إحياء منهج الحسين وأنتم تخالفونه في كل شيء؟ الحسين ريحانة النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيد شباب أهل الجنة:

جاءت الشهادة لأبيه علي بن أبي طالب في رمضان، ولكن انتصار المسلمين كان في بدر، فلا نحن نقيم عيدًا لأجل معركة بدر في رمضان، لأن العيد يكون بعد رمضان، ولا نحن نقيم مآتم لأن عليًا قتل فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشرع ذلك، والحسن والحسين لم يقوموا بهذه الطقوس المخالفة للإسلام التي يفعلها بعض الناس اليوم؟

الذي يحب الحسين والحسن وعليًا رضي الله عنهم جميعاً يصنع ما صنع من محبة المسلمين، والصلاة والصيام، وأخوه الكبير الحسن قال عنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ


الكلمات المفتاحية: بني إسرائيل رسائل عاشوراء عاشوراء