المقالات

عرض لبحث (دلالة المثلية في آيات التحدي)

أ. د. عبد السلام المجيدي

تلخيص/ أمين سيلان


هذا البحث اللطيف الذي كتبه د/ سعيد جمعة، ونشره موقع ملتقى أهل التفسير ضم في مباحثه لفتات جميلة وهي وإن كان الغالب عليها مسحة من الحديث التأملي الذي يمنح شعوراً كأنَّ الكاتب يفكر بصوت عالٍ إلا أن البحث مع ذلك شيق جميل وهو على أسلوب الرائد الذي يخمش الصخر بأضافره ليختلط منهجاً-اتفقنا معه أو اختلفنا- يسهل على من بعده اقتفاؤه، وهذا عرض مختصر لأهم نقاط هذا الجهد في نظري:

١- آيات التحدي بالقرآن بعضه أو كله -على قلتها-تعتبر لبَّ موضوع الإعجاز، ومناط التحدي الإتيان بمثل اللفظ القرآني فقط لا بما يفوقه.

٢- الحمقى الذين حاولوا مجاراة القرآن لم يستطيعوا أن ينفكوا من سطوة النسق القرآني فكانت محاولاتهم تحويرا رديئا لألفاظ القرآن وأساليبه، كما في سورة (الشجرة) التي ألفها صاحبها.

٣-يرى الكاتب أن انصراف علماء الملة لبيان جوانب الإعجاز اللغوي كان مفهوماً قديماً، وأن صرف مفهوم الاعجاز عند البديهة الى النظم القرآني ليس عليه دليل من الكتاب والسنة.


(قلتُ: وفي هذا نظر فإن التحدي واضح بأنه كان إبتداءً بنظم القرآن وحيرة المشركين وصريح عباراتهم كانت كلها تدور حول هذا النظم الذي جاء بحروف العرب وأساليبها ثم هم مع ذلك لا يستطيعون وصفه بأنه شعر أو سجع أو أي ضرب من ضروب كلامهم..)

٤- اهتم بقضية الإعجاز المسلم ليكون برهانا على صدق الكتاب، وغير المسلم ليجد ثغرة ينفذ منها لإبطال هذا الكتاب ونسبته الى الله.

٥- المثل في اللغة لا يخرج إجمالاً عن مفهوم النظير والعدل والشبيه والمكافئ وما يدور حول ذلك، مع إدراك أن التطابق التام المفصل بين هذه النظائر ليس مطلقا لغةً كالفرق الدقيق مثلا بين المثل والنظير، والمساواة والمماثلة وما إلى ذلك، وهذا الفرق اللغوي تجده ماثلاً أيضا عند استعمال هذه النظائر في آيات القرآن الكريم.

٦-المثلية في القرآن قد تعني التشابه في الحكم، أو في أغلب الصفات، أوفي أغلب الأوجه؛ وقد تعني التطابق ولكن ليس بلازم أن يكون ذلك التطابق من كل وجه. (هذه وجهة نظر كثير من العلماء)، وقد تعني المثلية في القرآن التطابق في الأصل والتوحد في الماهيةالذاتية والتناظر في الحقيقة، والمثل المطلق لا يتصور.


(قلتُ: والمطلق يمكن تصوره ذهنيا لكن يستحيل وجوه خارج الذهن، والذي يظهر لي من خلال قراءة هذه الجزئية من البحث أن السياق وحده هو الذي يحكم على المثلية ونوعها، وقراءة السياق أوثق وأضبط من قراءة الحد والرسم، وهو ينسجم تماما مع عادات العرب في كلامها حيث يكره العرب عمليا قضية الحد ويتعاملون مع السياق بكثرة لأنه يمنحهم حرية اللفظ والمعنى مع الانضباط النسبي المعقول جدا في المفهوم)


المبحث الثاني: لمن التحدي؟

٧- الاختلاف واقع بين العلماء في من وقع عليه التحدي إنساً وجنّاً وزاد بعضهم الملائكة، والكاتب يرى أن حصر التحدي بالنظم والبلاغة سيخرج أكثر العرب وجميع العجم بالضرورة، فإذا عجز فطاحل البلاغة فغيرهم أعجز ، ودادك فهو يرى أن التحدي الذي هو عام في نصوص القران سيكون معطلاً بهذا الحصر في النظم والاسلوب البلاغي.


المبحث الثالث: ترتيب آيات التحدي

٨- يرى الكاتب أن الحاجة للتفسير ليست أصلية بل عارضة بسبب ملابسات ترتيب نزول القران السببي التاريخي ثم ترتيبه التعبدي، ولفهم موضوع التحدي يجب ملاحظة ترتيب السور التي وردت فيها آيات التحدي( الاسراء يونس هود الطور البقرة)
وكانت أبرز ملاحظات الكاتب هو أن التغاير في التحدي سمة كل آية، وأن الترتيب المنطقي كان من الأعلى الى الأدنى.ك [ سورة من مثله – ثم سورة مثله – فعشر سور من مثله – ثم مثل هذا القرآن – ثم حديث مثله . ] بينما الترتيب المصحف يعكس فكأن التحدي واقع من الجهتين.


المبحث الرابع: مفهوم الإعجاز في كتب العلماء

٩- دلالة (ع ج ز) في اللغة والقران تدور حول معنى الضعف وموخر الشيئ، والرابط بين كل الأمثلة مفهوم الضعف.

١٠- يرى الكاتب أن تسمية آيات الأنبياء معجزات غير دقيق لأنهم عرفوا من الوهلة الأولى أنهم غير قادرين على الاتيان بمثلها فلم يحاولوا أصلا وعليه فلم يقع منهم التحدي .

١١-يبين الكاتب أن لفظ المعجزة نتاج فلسفي، وأن القران يحتمل الوجهين( آية وبرهانا)وأن يكون كذلك (معجزة) لأنه وقع به التحدي .

١٢- يفرق الكاتب بين وجه الاعجاز ووجه التحدي؛ فينقل من اختلاف العلماء بين وجهي الاعجاز والتحدي ما يؤيد مفهوم التمييز بين مناط الإعجاز ومناط التحدي.

١٣-يركز الباحث على الوافد الجديد على مفهوم الإعجاز في زمننا وهو (الإعجاز العلمي) وينتصر للباحثين فيه أمام المترددين والمنكرين لهذا التوجه على اعتبار أن الاعجاز البلاغي قد أخذ نصيبه وافياً، وأن الاعجاز العلمي هو لغة العصر التي يجب أن يتناولها المختصون.

١٤- تكلم الباحث عن الإعجاز التأثيري القرآني، وعن الروعة التي كانت الحق القلوب والعقول عند سماع آياته، وأن هذا النوع تميز عن الاعجاز البلاغي بأنه يشمل البليغ والعامي والعالم والجاهل والانس والجن؛ فهو أعم بهذا السياق من البلاغي، ولكن هذا النوع ايضا يمكن المجادلة بشأن تحدي المثلية فيه.

١٥- في باب إعجاز الغيب ينقل الكاتب آراء من قال: إنه أهم جوانب الاعجاز و التحدي، ويرى الكاتب أنه فعلا جزء من مناط التحدي لكنه ليس كله فالمثليه قد تكون بكل ما سبق (غيبا ..تأثيراً ..نظما…الخ)

١٦- انتقل الكاتب في المبحث السادس الى المقصود الأهم وهو الاعجاز البلاغي، وفيه يرى أن تمحور اللغة في حياة العرب ونزول القرآن كلاما كان السبب في حصر الإعجاز في زاوية البلاغة زمنا طويلا .

١٧- يرى الكاتب أن إطلاق القول بأن معجزة كل نبي بحسب ما برع فيه قومه يحتاج إلى وقفة ويتضمن ذلك أيضاً العرب وفصاحتها والقران.

١٨-يصل الكاتب الى القول بأن وجه التحدي ليس في الفصاحة والبلاغة مقارنا للوصول إلى هذه القناعة بين تغير سبب التأثير في مواقف ابي طالب والوليد بن المغيرة والنجاشي وإسلام عمر عند سماعهم القران .((( ربما بحسب تفريق الكاتب بين مناط التحدي ومناط الإعجاز)

١٩-ينقل الكاتب اختلاف العلماء في تحديد الاعجاز البلاغي بين نظم الحروف الذي أثبته الباقلاني ونفاه عبدالقاهر، وبين إعجاز معنى اللفظ الذي جعله البعض أعلى من النظم وعكسه البعض.

٢٠-يسهب الكاتب في شرح ضروب إعجاز المعنى بين ما تحمله كل سورة من معانٍ وروابط تلك المعاني، واختصاص كل سورة بمعنى خاص هو موضوعها الذي تعالجه، ومعنى عام مشاع بين السور، بما يجعل النظر الى النظم مجرد مقدمة لضروب إعجاز المعنى.

٢١- يستشف الكاتب من وراء كلام عبدالقاهر وغيره أن دلائل الإعجاز هي مقدمات الإعجاز وليس هو، وأن عمود الامر يدور على المعاني المتولدة بعد ذلك، وأن سطوة علوم اللغة والبلاغة حرفت المسار-إن صح التعبير- من دراسة الاعجاز الى التركيز على دلائله.

٢٢-يرى الكاتب أن الاعجاز والبلاغة لمّا كان من الصعوبة البالغة تحديد ماهية لهما دون الادراك غير المحسوس كان من الصعب جعلهما مدار التحدي، فالتحدي لابد له من معرفة وجهه وطبيعته.

٢٣- وصل الكاتب -فيما ظهر لي وفهمته- إلى نتيجة مضمونها أن العرب لم يفهموا من تحدي المثلية القضية الجزئية العددية في نظم سورة او عشر ، بل فهموا أنهم عاجزون عن الاتيان بالقضية الكلية وهي القران كله باعتباره كلام الله، فكأنه وجه خفي من الصرفة لكن في سياق إدراك الكفار للعجز .

والله أعلم


الكلمات المفتاحية: القرآن الكريم