منهج الفاتحة في بناء الوحدة والحماية
7 نوفمبر، 2021
1298
إن القرآن يبني أعظم الأصول الإسلامية بطريقة علمية وعملية، فالتقسيم الإلهي الثلاثي للعالم في قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 6، 7]؛ تقسيمٌ سياسيٌ بامتياز يحقق المصالح الإسلامية، ويضمن إقامة الحياة المسلمة؛ فإن أعظم النعم الإيمانية الأخوة الحقيقية لأصحاب الصراط المستقيم.. إنها الأخوة التي تجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، فهي أخوةٌ مكانية تخترق الأمكنة، وزمانية تجمع المسلمين من لدن آدم -عليه السلام- إلى الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، إلى قيام الساعة يظللها قوله تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52].
ماذا تجد من إشاراتٍ في وصف الصراط المستقيم بأنه صراط الذين أنعم الله عليهم؟
إنها إشاراتٌ قويةٌ إلى طبيعة الحماية القوية التي يتمتع بها من ينتسب إلى الصراط المستقيم؛ حيث أَلَّفَ الله بينهم على اختلاف الحدود الزمانية والمكانية، وحماهم من أن يخترقهم غيرهم من الفرق الأخرى، ومن هنا نعلم أن أبشعَ هدفين استطاعت قوى الاستعمار المستكبرة تحقيقهما الهدفان العظيمان الآتيان:
الهدف الأول: تفتيت الوحدة الإسلامية المكانية بين ما سُمِّيت بعد ذلك (دولًا إسلامية) حيث أغلق الذين ينتسبون إلى الصراط المستقيم الحدودَ في وجه بعضهم، وفي الوقت ذاته طبَّعت قوى الاستكبار من المغضوب عليهم والضالين أذهان المنتسبين إلى الصراط المستقيم على فتح أبوابهم وحدودهم أمام الغزو الثقافي الأممي الرهيب القادم من غيرهم، وبذا تكون الأمة قد ارتكبت عكس ما أراده الله منها حينما قَسَّم الفرق العالمية إلى (أصحاب الصراط المستقيم، والمغضوب عليهم، والضالين).
الهدف الثاني: تفتيت الوحدة الثقافية الزمانية مع التراث الإسلامي السابق الذي أنار العالم رحمةً وحكمةً وعلمًا، وصار الانتساب إلى السابقين من عباقرة هذه الأمة تهمةً يتم التبرؤ منها لتكون النتيجة أن يقوم كثيرٌ ممن ينتسب إلى الصراط المستقيم بمقاطعة تحكيم الشريعة، والتراث الإسلامي الزاخر الأصيل.
يا طِيْبَ عهدٍ كانت عهود الإنارة العالمية الحقيقية لنا فيه عندما كان هذا التقسيم الإلهي الثلاثي للواقع العالمي (الـمُنعَم عليهم، المغضوب عليهم، الضالون) هو السائد المهيمن على التفكير المسلم، حيث كان يهرب المضطهدون من اليهود وغيرهم في العالم إلى أحضان المسلمين المحكمين للشريعة الإسلامية.. ما بال الحشود الغافلة من أمتنا استبدلت الذي هو أدنى بالذي هو خير، فصارت تصف تلك العهود الإسلامية التي أشرقت على العالم بعهود الظلام؟
لقد نجح الاستدمار الحديث (يسمونه الاستعمار) في تعطيل هذا المفهوم الكبير الذي أوجدته آيتا {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} إلى درجةٍ مدهشةٍ مبكيةٍ مضحكةٍ حيث ترى الدول التي تسمي نفسها مستقلة تجتمع في تحالفٍ قويٍ مع المغضوب عليهم والضالين ممن قَتَّل من أبنائها الملايين، وتغلق حدودها مع من ينتسب إلى الصراط المستقيم من الأطفال والنساء والرجال من المسلمين الذين لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا.
ما نتيجة عدم تطبيق هذا التقسيم القرآني للحلفاء والأعداء؟
النتيجة التيه والهلاك والضياع الرهيب الذي نعيشه ضمن أروقة مجالس الإخافة الدولية، ومؤسسات شيطنة حقوق المرأة، ومتاهات التفرج على الإبادات الجماعية لعدم وجود شرعية دولية إلا الشرعية التي لم تعرف البشرية شرعية عنصرية شريرة مثلها.. إنها شرعية (الفيتو) العنصرية المتوحشة؛ حيث صار مستضعفو العالم من المسلمين وغيرهم فريسةً لأبشع الأعداء، كما هي الحالة المعاصرة التي وصفها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء -ما يحمله السيل من وسخ- كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن)) فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت).
لقد قال ابنٌ مِنْ أبناء هذه الأمة متوجعًا:
أماه.. أعرف أن تاجك قد نقشت عليه قرانًا وسنة
أماه.. أعرف أن في أحشائك الحرّى ملايين الأجنة
أماه.. لا أخشى عليك العقم، لكني أحس بما يدس لكبت أنفاس الأجنة
وأرى حواليك الذئاب نيوبهن مكشرات كالأسنة…
للحق تكبيلٌ، وتنكيلٌ، وللنزوات إطلاق الأعنة
أماه.. ما سفحت دموعي كثرةُ الأعداء إن نبحت عليك…
أو أرسلت جند الضلالة والهوى منها إليك
أو أعلنت -وبكل أسلحة الدمار- ونفذت حربًا عليك…
لكن ما يدمي ضميري أن يقوم بنوك بالتدمير فيك.