لمحات من كتاب (لماذا أسلم صديقي؟) ورأي الفاتيكان في تحديات القرآن
2 أغسطس، 2021
628
الكاتب/ أمين جابر سيلان
إذا صحَّ -وهو صحيح- أن محصول الفائدة بالأثر لا بالحجم فإنَّ هذا الكتاب -على صغر حجمه- من أمتع ما قرأتُ مؤخراً في موضوع دراسات القرآن الكريم، خصوصا مع ما احتواه من وثائق المراسلات مع مراكز الأبحاث الكنسية والجامعات الأجنبية التي اهتمت ولا تزال بموضوع الدراسات القرآنية لخدمة دراسات الكتاب المقدس عندهم.
وقد كنت أفكِّرُ أن المدخل لمعرفة مدى صحة تلك المراسلات تلك هو معرفة ترجمة المؤلف أولاً ، ولمَّا لم تكن هنالك ترجمة للمؤلف في طيات الكتاب فقد ظننتُ في البداية أن اسم (ابراهيم خليل) اسم مستعار، ثم ظهر لي أنه ليس كذلك لأنه ذكر ثلاثة كتب من مؤلفاته في صلب البحث ؛ فأخذت أبحث عنه بواسطة مؤلفاته التي ذكرها.
وظننتُ أيضا أثناء البحث أنه ربما يكون القس المهتدي إلى الإسلام إبراهيم خليل فيلبس (المصري) الذي اعتنق الاسلام وألفَّ كتاب (محمد في التوراة والانجيل والقران)،وغيَّرَ اسمه إلى ابراهيم خليل أحمد ، لكن بالمقارنة التاريخية وجدتُ أنَّ(فيلبس)كان مطلع الثمانينيات في الستين من عمره والكتاب الذي نحن بشأنه أحدثُ من ذلك؛ فاستبعدته قليلا مع بقاء الشك.
ثم بدا لي أنه ليس بلازمٍ أن يكون المؤلف مصرياً، ومن هذه النقطة و بمزيد من البحث القليل تبين أن المؤلف هو الدكتور إبراهيم محمود ابراهيم خليل الأكاديمي والكاتب والناقد (الأردني) والمدرس بالجامعة الأردنية؛ فبحثت عن قائمة مؤلفاته ووجدت اسم الكتاب فعلا فيها والحمد لله ..
وهذه جملة خواطر كتبتها أثناء قراءة موضوع الكتاب لعلها تكون مفيدة إن شاء الله:
١- يُنقد على الكتاب أنه أهمل ترجمة الأعلام الكنسية التي يذكرها في طيات بحثه، منذ أول اسم كنسي ذكره وهو الأب ليو من الڤاتيكان ثم تيودور لوهمان فمن بعدهم !! وهذا غريب فعلا ومربك !!
٢- يبدو من العبارة التي أوردها المؤلف للمستشرق الألماني لوهمان: ( من العبث فهم محمد بعيداً عن زمنه وبيئة ) مفهوم آخر غير ما فهمه الدكتور إبراهيم خليل وهو (نظرية التاريخية) التي ولّدها المستشرقون من التراث الاسلامي الكلامي فذهبوا بها كعادتهم مشرقين ومغربين ، وهي أخطر نظرة داروا حولها ونفخوا في نارها ولا يزالون بامتداد صبيانهم الجدد .
٣- وقع الكاتب -بحسن نية فيما يبدو- في المغالطات التاريخية التي اشتهرت فجعلت تاريخ العرب قبل الاسلام مشوهاً بغيضا لأقصى حد حتى إن الانسان الطبيعي ليسأل متحيراً: إن كان العرب بهذا السوء البالغ فلمَ اختارهم الله من بين سائر الأمم لحمل الرسالة الخاتمة؟
إن توضيح نعمة الاسلام على العرب لغني عن هذا الهتك المبالغ فيه لتاريخهم الاجتماعي في الجاهلية.
٤- يبدو غريبا عرض الكاتب-وهو من هو-لحياة العرب الشعرية الثقافية في شكل بسيط ساذج بعيداً عن العمق الأدبي حيث يتعلق بقصص الحكايا التي يوردها أهل الأدب للتفكه والتبسط دون النظر الى ثبوتها او قدحها او مدحها.. من ذلك قصة تحكيم النابغة بين حسان والخنساء وهي قصة لا تكاد تثبت تاريخيا وكذلك في ميزان النقد الأدبي للشعر عند التحقيق .
٥- ذهب المؤلف ليقرر تعريف المعجزة كما ألفه المتكلمون-ولا حرج- إلا في كونه جعل ذلك التعريف هو ما تعرفه العرب في لسانها !! وهذا غريب وغير دقيق، فإن أسلوب القرآن وهو أبلغ أساليب العربية ركَّزَ على لفظ الآيات للدلالة على ما جاءت به الأنبياء .
٦- أحسن الكاتب أيّما إحسان في عرض مراحل تحدي القران الكريم لفصحاء العرب، وصَبَغَ عرضه بصبغة شعورية رائعة خصوصاً حين سردَ سخافة مواجهات المشركين للقرآن، وطلباتهم المتناقضة في مقابل التحدي الواضح البيِّن.
٧- أخطأ الكتاب في وصف هيئة الملك جبريل عند أول لقاء مع النبي صلى الله عليه وسلم فجعله على صورة رجل عربي يمسك كتاباً ويجبر النبي على قراءته بعد رحلة تأمل امتدت سنوات، وهذا لا يثبت بالطبع ، اللهم إلا إن كان مراد المؤلف حينها تمهيد وتبسيط المفهوم لصديقه النصراني حيث أخبره بعد ذلك بآية في كتابه المقدس تقول: (او يدفع الكتاب لمن لا يحسن الكتابة ويقول له :اقرا).
٨- من أجمل مباحث الكتاب ذلك المبحث الذي تكلم فيه عن الرابط بين القران الذي هو روح من الله وبين الروح المخلوقة، وأن طريقة التفاعل الصحيح مع القران هو تماس الروحين، وأن سر التفوق القرآني على معانديه هو في جهلهم هذا الأساس الروحي وتعاملهم المادي البحت.
٩- الكتاب يعتبر مدخلا ممتازاً لمن يبحث عن مفاتح التذوق القرآني، وخاصة لمن له اهتمام بالدراسات المقارنة مع الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى .
والله أعلم