الإسلام في سبع آيات
27 يونيو، 2021
662
بقلم: عامر الخميسي
للتوّ أكملت كتاب ” الإسلام في سبع آيات ” لفضيلة الدكتور عبدالسلام المجيدي وقد تحدث فيه مؤلفه عن “الفاتحة منهاج حياة” وحقا إن فيه من متنزهات القلوب خمائل وجداول، وفيه من قطوف الكلم بدائع وشمائل، يضيء لأولي الألباب أنوارا من وحي التنزيل مشرقة، ويجعل جباه الفكر من حسن طلعته ساجدة مطرقة..
والكتاب عبارة عن خريطة حياتية شاملة لحقائق الوجود الإنساني رسم من خلال هذه الخريطة خطة شاملة محكمة لإنقاذ للبشرية التائهة في بحار الظلمات المتخبطة في دياجير المدلهمات ومن خلالها قرر المقاصد المعرفية والسلوكية من التي احتوتها هذه السورة العظيمة. فسورة الفاتحة أعظم أعظم كنز في القرآن تتلألأ حوله الدرر ويطيب فيه التأمل والنظر، للأحداق في محاسن غرره مرتع، وللقلوب في رياض جماله مستمتع.
وقد بيّن المؤلف أن الفاتحة هي بمثابة إعلان دستوري هائل شامل يشق طريقه لتوجيه البشرية للرقي في جميع مجالات حياتها والفاتحة هي المنارة المشرقة للبشرية فلا بد أن يفسح لها الطريق ليرتقي نورها في المحافل الدولية وتسترشد بها الأمم في كل زمان ومكان لأنها الأصل والهوية. ومنارة الفاتحة مرتفعة شاهقة ثبت أصلها في الأرض وسما فرعها في السماء ومن رقى في التفسير معارج فهمها نال من مفاتيح الغيب الشيء الوافر، وكشف بالكشاف عن المعاني النواضر، فأصبح محررا من رق الفهوم، مستظلا بالظلال.
يشير الكتاب بتفصيل إلى أن معرفة الكون والحياة، وملء النفس بأفراحها، وتغذية الروح بأشواقها، وتنظيم الحياة بالعبادات الشعائرية، وبرمجة الواقع الاجتماعي بالقوانين التي تملؤه بالسلام والسكينة، والتغذية الفكرية، وتنظيم العلاقات الدولية والسياسية، وإدارة المال، وقوانين الاستثمار، وبناء الحياة، وأسس الاعمار كلها مواضيع مبثوثة في سور القرآن الكريم الأخرى، ولكنها تعود إلى المقاصد الكبرى التي أرستها الفاتحة، مثل: التربية، والرحمة، والعبادة، والاستعانة، وحماية الصراط المستقيم من اعتداءات المغضوب عليهم والضالين، فهو بحق سفر مبارك ينبئ عن جزالة البيان، وجمال التبيان، وعمق الذوق الأدبي، ومنهجية الطرح العلمي.
كتاب تشعر أثناء قراءته باستنشاق النفس اليماني المتسلسل من مدارس الصنعاني والكوكباني والشوكاني فتهيم به طربا وتسيح معه أنساً، رقّت ألفاظه رقة الأغصان، وفاحت معانيه فيح الريحان، يسر المحزون بلطائفه، وينهل الباحث من معارفه..كالشهد في تذوقه وأحلى، وكالمسك في شذاه وأذكى، ينساب انسياب النبع الجاري، ويلمع لمع الكوكب الساري.
وأثناء مطالعته أدركت أن مؤلفه اجتهد عليه اجتهادا كبيرا وقدم من وقته وبذل من أنفاسه ليصل إلى إخراجه في هذا السفر منقوشا في أجمل حلة ومنسوجا في أبهى زينة ويكاد من حسنه أن يتكلم لما حوى من أسرار رهيبة، وثمار دانية قريبة، تهب نسماته على قلبك كنسيم السحر، وتهطل عليك غيوثه كما يهطل المطر، وتغمرك أنواره كما يغمرك نور البدر..وإن شئت قل عنه قطعة من رياض الجنة فاض حسنا وجمالا…وطاب متكأ وظلالا. وإن أجمل وأمتع مافي الحياة أن تعيش مع كتاب الله متدبرا بصائره المنيرة، متشوقا لفتوحاته الغزيرة، ترى بعينيك الحجج الدامغة، والحكم البالغة، والمواعظ الحسنة، والنداءات الشدية، واللطائف الرقراقة فيطيب قلبك، وينشرح صدرك، وترتقي في مدارج الكمال، وتسيح في رياض الجمال.
وقد أحصيتُ من ألف في تفسير سورة الفاتحة بمؤلفات مفردة فوجدتها تربو على الثّلاثمائة كتاب، وهناك من الباحثين من كتب بحثا علميا أكاديميا عن المؤلفات التي ألفت في سورة الفاتحة ثم لما تأملت كتاب” الإسلام في سبع آيات” وجدت أنه حوى خلاصتها الرصينة، والتقط دررها الثمينة، وجمع كنوزها الدفينة ثم إنه أتى بجديد من خلال تقسيمه لفصولها وترتيبه لأصولها وليس هذا قولي مباهاة به لأنه من أهل اليمن ..بل هو رأي انقدح في ذهني وعصارة أنتجها فكري بعد طول بحث وتأمل ومن يقرأ الكتاب يدرك صدق ما أقول. وقد يكون هناك من جمع فأوعى وكتب فغلب، ونهل فاستقى، وقرأ فارتقى لكن تميز هذا الكتاب بحسن التقسيم، وجمال التنظيم، واتّزان العبارة، ولطف الإشارة، وروعة السبك، ودقة الحبك..
إنني وأنا أقرأ الكتاب جعلتُ أقول ما هذا الثراء المعرفي الذي يغمر السامع غمرا؟ حقا إن هذا الطّرح لفريد.. فبينما كنت أطالع هذا الكتاب الفريد في بابه وهو يتحدث عن سورة الفاتحة وما احتوته من أسرار وجمال وإعجاز وجدت الكثير من الإجابات التي كنت أبحث عنها. لقد يمّمتُ نحوه رحلي وأنخت أمامه عِيسي وحُقّ لطالب العلم أن يغترف من هذا العِلم الجم فكأني بالكاتب قد عصر نفسه عصرا واجتهد على إتقانه وإجادته وتهذيبه وتبويبه وتقريبه بل هي خلاصة ما توصل إليه من زمن بعيد حول هذه السورة العظيمة.
فضيلة الأستاذ الدكتور عبدالسلام المجيدي عالم مفسر ومتخصص في علوم القراءات ودليل حاذق إلى علوم الشريعة، تسري العربية الفصيحةُ في دمه، وتجري في عروقه، تشرّبت نفسه معاني القرآن وأسراره ..وتزوّد من لطائفه وأنواره..فأنعم به وأكرم..وهنيئا لك طالب العلم المغترف الناهل من معينه..