الصحابة رضي الله عنهم: قيادة وبصيرة هادية
1 سبتمبر، 2021
483
كل المستبصرين بضياء القرآن يبحثون عن نجوم الهداية وقادة الأمة إلى الجنة، والله سبحانه وتعالى ذكر أن الطريق إليه صراط مستقيم، ويجب أن نعلم أن من مقتضيات الصراط المستقيم وجود القيادة النبوية على رأسه، واقتفاء أثر المنعم عليهم من صحبه، فحتى يستقيم السير على نهجه فإن الصحابة رضي الله عنهم هم البصيرة الهادية للسير في الصراط المستقيم دون ضلالٍ أو خللٍ، وهم درعٌ عاصمٌ للأمة الإسلامية من الانحراف والغلو والزلل.
فالله تعالى لأهمية ذلك حدد لنا في الآية السابعة من الفاتحة القياداتِ التي نقتفي أثرها، ونهتدي بنورها{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [النساء: 69] فرأس المنعم عليهم الأنبياء، ولكن من ذا يتلوهم في المنزلة القيادية الهادية لهذه الأمة؟
إنهم الذين يُبصروننا بالمنهج النبوي الذي نسير فيه دون انحرافٍ، أو جفاءٍ، أو غلوٍّ واعتداءٍ، إنهم لنا المصابيح في الظلماء، تضيء لنا الطريق؛ فلا نخطئ في قراءة التنزيل، ولا نُحَرِّف أو نَضِلُّ في التأويل، ومنهاجُ النبوة الذي أوصله النبي صلى الله عليه وآله وسلم للعالمين هو القرآن المجيد؛ حيث بلَّغه لفظًا لفظًا وحرفًا حرفًا، وكذلك بيَّن لنا القرآنَ المجيدَ من خلال سنته وسيرته في فهمه وتطبيقه، ولا يمكن معرفة كل ذلك إلا من خلال الصحابة -رضي الله عنهم-. والصحابة ثلاث فئات:
الفئة الأولى: آل البيت من أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقد نقلن لنا سيرةَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسنَنَه في التعامل داخل البيت، وفي الجو الأسري الزوجي، وفي النواحي الاجتماعية والتعليمية البيتية لنقتدي به، ونهتدي بهديه صلى الله عليه وآله وسلم.
الفئة الثانية: آل البيت من قرابته وأصهاره صلى الله عليه وآله وسلم، فقد نقلوا لنا سيرته صلى الله عليه وآله وسلم وسننه في التعامل مع أولاده وذوي أرحامه وخاصته من أقربائه، لنقتدي به، ونهتدي بهديه صلى الله عليه وآله وسلم.
الفئة الثالثة: بقية الصحابة، الذين نقلوا لنا سيرته صلى الله عليه وآله وسلم وسننه في التعامل مع العالَـم خارج بيته صلى الله عليه وآله وسلم في النواحي السياسية والاقتصادية والعلاقات المحلية والدولية، لنقتدي به، ونهتدي بهديه، وبذلك نسير على صراطِ أعظمِ مَنْ أنعم الله -عزّ وجلّ- عليهم، وهو النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلال نقل أزواجه، وأقربائه، وسائر أصحابه -رضي الله عنهم أجمعين.
ومن أعظم نماذجهم: أهل بدر المذكورون بالثناء في سورة الأنفال، وأهل بيعة الرضوان المذكورون بالثناء في سورة الفتح، يتقدمهم الأربعة الراشدون الذين جمعوا بين القرابة والمصاهرة والصحبة.. فتركوا نعيم الدنيا ليبنوا للناس دنياهم، وعزفوا عن ترف القصور ليشيدوا -من المعارف الحقة والتقدم الإنساني- إلى الله تعالى الجسور، وهم من ترك الراحة الشخصية ليؤسسوا طريق النجاح لكل البشرية، وعلى الرغم من تعرض ثلاثةٍ منهم للاغتيال إلا أن أيًّا منهم لم يتخذ قواتٍ خاصةً مهمتها التدمير والاقتتال من أجل سلامته.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما ينتظرهم من الدرجات العلى والفوز العظيم، فعن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون النجم الطالع في أفق السماء، وإن أبا بكر وعمر منهم، وأنعِما))
فهذا الاتصال الفكري للسلف بالخلف، والخلف بالسلف يساعد على الثبات على النص مع المرونة في تنزيله على الوقائع المختلفة. ولهذا فإن الآية السابعة من آيات سورة (الفاتحة) من أهم العواصم الثقافية الحافظة لدين الأمة، ومن خلال ذلك يتبين أهم سببٍ يدفع مجرمي العالم للتهجم على الصحابة الكرام (من أهل البيت وبقية الأصحاب) -رضي الله عنهم-، ولذا بيَّن الله تعالى من يستحقون رضوانه، وأنهم ثلاثة أصناف فقال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[التوبة: 100]، فشرط في التابعين للمهاجرين والأنصار أن يتبعوهم (بإحسان).
هذه الكلمة العظيمة تضم عدة مفاهيم من أهمها:
المفهوم الأول: الإحسان في ذكرهم، فجاء عن ابن عبَّاسٍ -رضي اللَّه عنهما-: (يريد: يذكرون المهاجرين والأنصار بالْجَنَّة والرَّحمة والدُّعاء لهم، ويذكرون محاسنهم) أي بإحسان القول فيهم، والحكم المشروط بشرطٍ ينتفي عند انتفاء ذلك الشَّرط، فوجب أنَّ من لم يُحْسن القول في المهاجرين والأنصار لا يكون مستحقًّا للرِّضوان من اللَّه تعالى.
المفهوم الثاني: الإحسان في اتباعهم، فهم غير معصومين من الخطأ، فيحسن المتبع في اتباع منهجهم، ويعرض عما وقعوا فيه بحكم الطبيعة البشرية، مع إمساك اللسان عن الطعن والتجريح.
لعلنا أدركنا كيف تبني الفاتحة عقولنا على معرفة التحالف الدنس بين المغضوب عليهم والضالين من المعتدين من الكفار والمنافقين والمبتدعين لتركيز جهودهم ضد كل من يعظم صراط المنعم عليهم.
إن الطاعنين يريدون اختراع دينٍ جديدٍ غير الذي نقله الصحابة -رضي الله عنهم-، وساروا عليه مهتدين مقتدين بمربيهم صلى الله عليه وآله وسلم، فما الطعن فيهم إلا محاولةٌ مجرمةٌ آثمةٌ لتدمير المنهج الإسلامي، وتغيير معالمه الثقافية، ونُظُمه العقدية، والاجتماعية، والسياسية من خلال إيجاد الشك في نَقَلَة القرآن الكريم وحامليه -رضي الله عنهم-، ومن خلال إخفاء كيفية تطبيق النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقرآن الكريم.. فهذه الآية المباركة أعظم الآيات في بيان مكانة أهل البيت وبقية الصحابة -رضي الله عنهم.
ولله درُّ إقبال -رحمه الله تعالى- حين قال:
كم زُلزِلَ الصخر الأشمُّ فما وهى * * من بأسنا عزم ولا إيمانُ
لــو أن آســاد الـعـريـن تـفـزَّعـــت * * لم يلق غير ثباتنا الميدانُ
توحـيــدك الأعـلـى جعلنا نقشـه * * نورًا تضيء بصبحه الأزمـانُ
فغدت صدور المؤمنين مصاحفاً * * في الكون مسطور بها القرآنُ