المقالات

الوسيلة الممكنة لاستكشاف المعجزة القرآنية

أ. د. عبد السلام المجيدي

جعل الله –تعالى عزه- استكشاف النور القرآني رهنًا بتدبرك لآياته، وإعمال فكرك في بيناته ومعجزاته، وكلما عظم التدبر كان العقل الإنساني أكمل حالًا، بل يصل إلى أن يكون ضمن النخبة من أولي الألباب.. تأمل هذا المعنى في قول ربنا –تقدست أسماؤه-: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24]. واستخراج الرؤية القرآنية لكل تفاصيل الحياة يتعلق بالجهد البشري في التعرف إلى الكلام الإلهي {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص:29].


وعند تنقيبك في لآلئ القرآن الكريم، وتدبره ستشعر بنشوة غامرة، وتعاين عندها أن القرآن كالمحيط الهائل الرائع يغريك كي تبحر في أمواجه الباهرة نحو الأعمق فالأعمق حتى توغل في داخله، ولكن بدلًا من أن تغرق في بحرٍ لُجِّيٍّ مظلمٍ ستجد نفسك مغمورًا في بحرٍ من النور والرحمة الإلهية.

إن (التدبر) يُوجِدُ (الخفيَّ الممتعَ من التفكر)، ويجلبُ (العظيمَ من صادق التأثر)، فالتدبر بحثٌ عما وراء الكلمة من المعاني الحقة التي ترسم الوعيَ الإسلامي، وتنير التفكير الإنساني، فنحن عندما نعيد قراءتَنا للـ(فاتحة) بقلبٍ يؤمن بأنها النبع الصافي والدواء الشافي، والبديلُ الحقيقيُ الثقافيُ لفوضى الحلول التي نبحث عنها في الشرق والغرب سنجد المقاصد العظام التي تعرف البشرية بدين الإسلام وترسم لها سبل السلام.

وقد وجدتُ السلف يتسابقون -بصورةٍ مدهشة- إلى تقرير الأفياء القرآنية، والبصائر الفرقانية عند النظر في الآيات لبناء النفوس والحياة، فها هو مطرٌ الوراق يتدبر قوله تعالى {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} [القمر:17] فيقول: “هل من طالب علمٍ فيعان عليه”، فانظر جمال الاستنباط الذي جعل التذكر الوارد في {مدكر} يؤدي إلى التأثر، والتأثر يؤدي إلى الاجتهاد في التحصيل العلمي، ليجد المعارف القرآنية ميسرةً دانية القطوف لمن رامها واجتهد في استخراج كنوزها.


والبصائر القرآنية تعتمد على المصدرية الإلهية للقرآن الكريم، وهي مصدرية لم تَطَلْها يد التحريف أو التزييف، هنا نذكر قول موريس بوكاي في لقاء متلفز له عام1987م: لا بد لي أن أعترف حينما قرأت القرآن في لغته العربية لأول مرة في عام1972م كانت المعلومات المتعلقة بجسم الإنسان فيه هي أول ما أدهشني إلى أبعد الحدود، وبالنظر إلى وضع المعرفة العلمية في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإنه لا يعقل أن يكون ذلك الكم الهائل من المعلومات المتصلة بالعلم الوارد في القرآن لا يعقل أن تكون من وضع إنسان، ولذا فإنه من المشروع تماماً النظر إلى القرآن ليس باعتباره وحياً منزلاً فحسب بل أيضاً أن نفرد له موقعاً مهيمناً خاصاً به على أساس الضمان الذي توفره لنا مصدريته الإلهية، وأيضاً بما تحتويه آياته من إشاراتٍ علمية عندما ندرسها في عصرنا هذا نراها لا تزال تشكل تحدياً حقيقياً للمعرفة الإنسانية.


إلا أن كل متدبرٍ يقر بأن استنباطه للبصائر القرآنية يظل اجتهادًا بشريًا، ويقوم على تدبرٍ إنسانيٍ يطرأ عليه الخلل، ويعتريه الزلل.


الكلمات المفتاحية: مقالات متنوعة